موقف الإمام الأشعري ومدرسته من بدعة التكفير
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله خير الأسماء في الأرض وفي السماء والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم الأنبياء وعلى آله الأصفياء والأنقياء وعلى صحابته أجمعين الغر الميامين الأتقياء وعلى جميع الرسل والأنبياء.
وبعد ، ، ،
(( موقف الإمام الأشعري ومدرسته من بدعة التكفير ))
جاء في كتاب "إمام أهل الحق أبو الحسن الأشعري" للدكتور عبد القادر محمد الحسين:
(هناك نصوص عديدة من القرآن والسنة تحذر من أصناف من كبائر الذنوب قد يَفهم من ظاهرها من ليس له قَدَم راسخة في العلم التكفير؛ فيقع في تكفير أصحاب الكبائر كتاركي الصلاة ومرتكبي الزنا وقاتلي الأنفس والحاكمين بغير ما أنزل الله دونما استحلال لذلك؛ فيَحمل تلك النصوص على ظاهرها فيقع في أخطر البدع التي ظهرت في الأمة الإسلامية أر وهي تكفير المسلمين.
وإنما الحق الذي عليه مدرسة الأشعرية أن نفهم النصوص على هدي غيرها من النصوص. ولا نختار النص الذي يكفر ونترك النص الآخر الذي يجعل الأمر تحت مشيئة الله إن شاء عذب وإن شاء عفا [قال في الهامش: لا شك أن هذه المذكورة من أعظم الكبائر والجرائم ولكنها ليست كفراً إلا لمن استحل ذلك. أما من ارتكب ذلك وهو مقر بالخطأ والذنب فهو فاسق مجرم وليس كافراً لأن الله تعالى يقول: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} النساء:116].
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من بدعة التكفير أشد التحذير.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما. إن كان كما قال وإلا رجعت عليه). [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 1/79 ، وكما أخرج نحوه الإمام البخاري عن أبي هريرة 5/2262].
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من هذا الصنف من الناس الذين يكفرون المسلمين ووصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة العبادة والصلاة ولكنهم لتكفيرهم المسلمين لا ينفعهم ذلك شيئاً.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم. يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية). [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/743].
وكلامهم حسن وهم شباب أسنانهم صغيرة في الغالب يحدثون الناس بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم إلى يوم القيامة). [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه 2/746].
وانطلاقاً من هذه الأحاديث بنى الإمام الأشعري ومدرسته معتقدهم بالتحذير من المجازفة في تكفير المسلمين والتحذير من خطر ذلك على الدين.
يقول الإمام الأشعري رحمه الله: (ونرى أن لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر كما دانت بذلك الخوارج وزعموا أنهم بذلك كافرون. ونقول: إن من عمل كبيرة من الكبائر وما أشبهها مستحلاً لها كان كافراً إذا كان غير معتقد تحريمها).
قال صاحب جوهر التوحيد رحمه الله مبيناً معتقد أهل السنة الأشعرية في ذلك:
ومن يمت ولم يتب من ذنبه
فأمـره مـفـوض لربــه
هذا معتقدنا بالنسبة لمرتكب الكبيرة رداً على الخوارج الذين يكفرون مرتكبها. أما بالنسبة لمن خالفنا من أهل القبلة في المسائل المختلف فيها بيننا وبينهم فلا نكفر أحداً منهم وإن اعتقدنا بطلان مذاهبهم وفسادها.
قال أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمه الله في داره ببغداد دعاني فأتيته فقال: اشهد عليّ أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
وهذا من الخطوط العريضة لمدرسة الأشعرية حيث لم يكفروا أحداً من مخالفيهم من أهل القبلة كالمعتزلة والشيعة والخوارج وغيرهم؛ ذلك لأن هؤلاء من المتأولين حيث اعتمدوا على شبهات من الكتاب الكريم والسنة.
والإيمان أصل أصيل في الإسلام فكما دخله الإنسان بيقين لا يخرج منه بيقين؛ فلا يخرج منه بالشُّبه.
فالطريق بيننا وبينهم هو المناظرة والجدل العلمي حتى نصل إلى الحق.
إلا من رفع السلاح في وجهنا كما فعل الخوارج؛ فإنهم يقاتَلون درءاً لفتنتهم ودفاعاً عن الإسلام وعن النفس.
ومع ذلك ندعوهم إلى الجدل العلمي قبل القتال كما فعل معهم سيدنا علي رضي الله عنه حين أرسل لهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ليناظرهم ويردهم عن غيهم. فإن لم يجد معهم التفاهم والجدل وأبوا إلا القتال فآخر العلاج الكي.
[قال في الهامش: ما ذكرناه هنا هو رأي جماهير الأشعرية والذي عليه العمل. وقد وُجد في أقوال بعض أئمة الأشعرية تكفير أقوال بعض الفرق الضالة ولاسيما المجسمة؛ لأن عقيدتهم في الله أشبه بعقائد الوثنية. وبعض المعتزلة في نفيهم للقدر وإنكارهم خلق الله لأفعال العباد.
ولكن هذا التكفير للمسائل وليس للأشخاص. والذي يجب التنبيه إليه اليوم أن التكفير للأشخاص المعينين لا يجوز. ثم إن التكفير حكم قضائي يعود للمحاكمة كما هو معروف في باب الردة من كتب الفقه.
أما العالِم والمفتي فيكفر المسألة ويقول هذا الكلام كفر. أما قائله فلعل له ما يبرئ ساحته من غلط أو وهم أو ما يعتري الأهلية من عوارض أو غير ذلك. ولذلك قرر بعض الفقهاء استتابة المرتد.
أما المجازفة في التكفير والتهاون بإطلاقه على المسلمين فهو ليس من شأن أهل الحق. بل هو شأن الخوارج المارقين عن قواعد الإسلام.
وأخطر أنواع التكفير ما كان بسبب المسائل الفقهية كالتوسل والاستغاثة ونحو ذلك.
وأشد خطر هؤلاء عندما يأتون إلى آيات نزلت في الكافرين فيحملونها على المسلمين.
جاء في البخاري عن الخوارج: كان ابن عمر يراهم شرار الخلق. وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين]). انتهى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مواضيع مماثلة
» موقف أهل السنة من كتاب الإبانةللإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى
» بالفيديو .. موقف طريف مع الإمام أحمد بن حنبل
» بالفيديو .. موقف طريف بين الإمام ابن عبد البر والإمام ابن حزم رحمهما الله
» السبب الخفي وراء موقف العلامة البوطي من الأحداث السورية الحالية
» بالفيديو .. قصة الإمام الشافعي مع ابنة الإمام أحمد بن حنبل
» بالفيديو .. موقف طريف مع الإمام أحمد بن حنبل
» بالفيديو .. موقف طريف بين الإمام ابن عبد البر والإمام ابن حزم رحمهما الله
» السبب الخفي وراء موقف العلامة البوطي من الأحداث السورية الحالية
» بالفيديو .. قصة الإمام الشافعي مع ابنة الإمام أحمد بن حنبل
للمشاركة انت بحاجه الى تسجيل الدخول او التسجيل
يجب ان تعرف نفسك بتسجيل الدخول او بالاشتراك معنا للمشاركة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى